Design by Islam Abu Algassim

أخر المواضيع

يمة الحبوبة

إهداء الى
روح الجدة الغالية رحمة الله عليها و الوالدة

تمضي الأيام و نحن بقرب من نحب لا نشعر اننا سوف نفترق يوماً ما، نتعود ان نفعل ما اعتدنا عليه و دون ان نلتفت الى ما كنا و ما اصبحنا عليه نستيقظ على صدمات الحياة تارة و نجاحاتها تارة أخرى.

يمة الحبوبة كانت من أهم الشخصيات في حياتي نتخاصم أو نتصالح هذا هو حالي معها، كانت لا تتوانى في ان تقول رأيها بصراحة وهو ما كان يغضبني في بعض الاحيان و كما كانت تقول (الحقيقة حارة) لكن ( اسمع كلام بيبكيك ولا تسمع كلام البيضحكك).

كان لها رأي في صديقاتي حيث دائما ما كانت تتحسر على حالي و تقول (ماعندك صحبات نهائي) وهو ما كان يحبطني وهي تقارن بين صديقاتي القديمات في السعودية و الآتي تعرفت عليهن في السودان، و كثيراً ما قالت( وقت الحارة ما بتلاقيهن)

يمة كانت دائماً معطاءة لم تتأخر يوماً عن اداء واجب لفرح أو عزاء، ربت أولاد و بنات ليسوا من صلبها إلا ان احساسها بالحب للجميع هو ما كان يدفعها، حتى أواخر أيامها كانت تخاف ان ترقد أو تجلس وحيدة تريد ان يكون الجميع حولها.

كنت و اياها في صدام مستمر، آرائنا مختلفة إلا انها في كل مرة كانت تقول ( أكبر منك بيوم أعلم منك بسنة) كنت أرى فيها الإستسلام وانها لم تقاوم لتكون ما تريد وهي تراه عطاء، كنت اجدها انعكاس لزمن لم يعد موجود، و هي بكل بساطتها و عفويتها وفي احلك اللحظات تجدها نضرة متألقة، كنا دائماً ما نتناقش و لنا أحاديث طويلة في آخر الليل أو بداية اليوم و انا ذاهبة الى العمل.

كنت أرى في عينيها ألمها و خوفها عليه لذلك كنت كثيراً ما اهرب منها و هي تنظر الى عيني، لا انسى تلك الليالي التي كنت فيها اتألم من مرض ما و اجدها جالسة فوق رأسي تقرأ و تتمتم بآيات و أحاديث و هي تمسح بيديها على رأسي و تقول ضاحكة ( ما فيكي حسنة هسع تقومي تبقي كويسة تتشاكلي معاي) تمارضني حتى تطمئن انني بخير او زال الألم فتذهب لتصلي ركعتين تدعي فيهما الله ان يخفف عني، لا انسى تلك الايام التي كنت اعود فيها الى البيت حزينة على فراق صديقة او حبيب و اجدها تنظر الى عيني لتسألني ( عليك الله ماليك، الحاصل ليك شنو ؟ إذا ما قولتي ليه تقولي لمنو)

كانت على الدوام خير سند لخير عون ، حتى في اكثر الايام تأخراً عن المنزل لم تكن تستطيع ان تنام حتى اعود الى البيت و تطمئن عليه وهي تقول ( لو تعرفي قلبي بينشغل عليكي كيف، اصلوا الدنيا ما معروف ظروفها)

يمة الحبوبة كانت مرجع تاريخي قصصي رائع تحكي عن ايام المهدي و الإنجليز و ايام مكة بحجوا ليها بالجمال، و ايام جمال عبدالناصر و السادات و ايام الزعيم الأزهري و نميري، أيام الفيضان و السيول و وقت المجاعة و كانت تقول (سنة حفروا البحر) و كنت ارد عليها (يمة البحر دا ما حفروا كان قاعد من زمان)، كانت كل شخص انت من وين؟ و اهلك منو؟

كانت لها أحلام و امنيات كما كان لها وصيات ، دائما ما اوصتنا على الصلاة و لم تكل يوماً ان تيقظ جميع من في البيت صباحاً لصلاة الفجر حتى و ان لم نقم ، من المحزن ان ينتهي كل ذلك و اذكر عندما كنت انزعج من كلامها تقول ( بكرة تفتيشي ليه ما تلقيني )

كانت كثيراً تمازحني انها سوف تذهب معي الى بيت العريس و ان من سوف يتزوجيني يجب ان يعلم انها سوف تعيش معي، و آخر ايامها تحدثت كثيراً عن ضرورة ان اتزوج، لقد كانت امنيتها ان تحضر زواجي و هي تقطع العهد بإنه سوف يكون يوم لا مثيل له و قبل يوم من وفاتها قالت ( شكلك ما عايزني احضر عرسك)

يمة الحبوبة كانت دائما ما تردد على مسامعنا ( مخير الله كل أول ليهو آخر) ستظل كلماتها تتردد على مسامعي و ستظل شمعة احترقت لتضيء لنا الطريق .

على الهامش

شكرا لكل من واسيني في وفاة الجدة و من تقدم بالتعازي عبر الفيسبوك او بالاتصال او بالحضور، و الناس اللي ما عزت بنتلاقى في الشينة قدام.

بقلم : اسلام ابوالقاسم

2 comments

الزوار السودانية said...

لها الرحمة والمغفرة ؛إنا الله وإانا اليه راجعون ؛ كالعادة جئت زائراً ثم عثرت علي مقالا ، لكن كان حظنًا ...

الزوار السودانية said...

عذراً علي الخطأ :كان حزنا عميقا