سوء الدان.. صناعة وحوش بإيدي محلية
في ظل مكافحة يومية من اجل صنع فرق في حياتي و حياة الاخرين تمر على كثير من المواقف بعضها حزين و الاخر تشوبه السعادة و الكثير منها مغمسة بمرارة المعاناة، يوميا اشاهد أو اسمع كلمات و مشاهد تتناثر هنا وهناك في الشارع او البيت أو مختلف الاماكن التي تسوقني اليها الاقدار لأتعلم و اعرف معنى الحياة بمافيها من تناقضات و نضال.
العامل المشترك بينها – حسبما ارى- انها تدفعني للتفكير حول القيم و المبادئ و معاناة الشعوب في ظل انظمة كرست الجهل و الفقر و الحرمان و زد على ذلك كله القهر والألم، إلا ان ذلك لا يمنع من الانتصار على الذات اولا وهي رحلة يومية متكررة عند شروق شمس كل صباح و حتى غروبها، لم يمنع كل ذلك الحلم بأمل و العمل على تحقيقه .. و مازلت اتساءل : أمازلت واقفاً مكانك؟ لأنني متأكدة بأنه ستمطر السماء يوماً ما بأمانينا .. فقط اذا اصبحنا مؤمنيين بما يمكننا ان نصنعه و عملنا من أجل ذلك بكل قوة.
موقف (1)
من داخل اتوبيس (البص) محصل اجرته (الكمساري) صبي لا يتجاوز عمره الرابعة و العشرون تعلو وجهه ابتسامة مشرقة، يتعامل معك باحترام و ترحاب غير معهود ممن يعملون بهذه المهنة تهللت اساريره عندما رآئني امسك بكتاب، وقال لي انا ايضاً ادرس بجامعة النيلين اقتصاد لم استغرب كثيرا.
تجاذبت معه اطراف الحديث فمن لكنته تستطيع ان تستنتج انه من خارج الخرطوم و عرفت ان اهله لا يعلمون انه يعمل وان سبب عمله انه لا يريد ان يثقل كاهل اسرته بمصاريفه وانه لا يشعر بالخجل عندما يركب في الاتوبيس احد اصدقائه او صديقاته من الجامعة وهو يستلم منهم اجرة الركوب ولا حتى عندما يسألونه عن سبب امتهانه لهذه المهنة فهو يرد بثقة: انها راقت له و يريد ان يجربها ويعمل بها الى ان يقضي الله امراً كان مفعولا.
ولربما يشعر ببعض المرارة و الغصة عندما يخرج الى العمل من الداخلية التي يسكن بها تاركاً خلفه اصدقائه نيام على اسرتهم ... عزيزي/ عزيزتي القارئ/ة هل فكرت فيما يمكن ان يعانية هذا الصبي لو احتدم النقاش بينه وبين احد الركاب؟ هل فكرت في كمية الشتائم و الاهانات التي تكال لهذه الفئة بالذات بشكل يومي؟
وعلى الرغم من اعتراضي على الاحتكاكات بين الركاب والكماسرا وهو مسلسل يومي لا يمكن غض الطرف عنه على الاطلاق نعيش فيه ولا نشعر بضرورة معالجة هذه الفجوة وهذه الانفجارات التي بالتأكيد لها تبيعات في المستقبل القريب وأكثر مما يمكن ان نتخيل، و اكثر ما يرعبني ان نحول هذا الصبي المبتسم الى وحش حاقد و شرس على نفسه وعلينا.
ضاحكاً قال: لي قريب يعمل بواب (غفير) بإحدى الشركات، هل تصدقي انه عمل في هذه الوظيفة بالواسطة ، وليست واسطة واحدة بل استخدم جميع معارفه و كل شخص يمكن ان يزكيه حتى يتحصل على راتب مقداره 250 جنيه فقط في الشهر، بكرة حتى وظيفة الكمساري سوف تحتاج الى الواسطة ..
موقف (2)
طفل صغير لا يتجاوز السادسة من عمره بعينين دامعتين تتعكز عليه والدته المصابة داخل احدى اقسام الشرطة، رأيت في عينيه خوف لم اره من قبل ، رأيت في عينيه ألم لم ارى مثيله في حياتي، رأيته ينظر الى والدته التي لا تكاد تقوى على الوقوف و رجال الشرطة يسحبونها من قاعة الى اخرى لماذا؟ لأنها متهمة حيث ان الشاكية هي التي اعتدت عليها و احضرتها الى القسم للتحري... وقتها كنت اتساءل من الجاني و من المجني عليه؟
مثل هذه المواقف لها اثر سيء جدا على نفسية اي شخص فما بالك بطفل صغير، لا تنمحي مثل هذه المواقف من ذاكرته بسهولة وعليه ان يتعامل مع جبال من مشاعر الغضب و الاهانة تكبر معه وتكثر داخل رأسه اسئلة لا يجد لها اجابات مقنعة، ان يرى بعينيه ان امه تهان و يتم اذلالها وهو واقفاً ينظر اليها؟ ان يرى قدوته و صدر الحنان و الأمان يعتدى على خصوصيتها ويعجز عن الكلام .. لها تبيعات خطيرة جداً .
نحن نخلق وحوش كاسرة نغذيها بجرعات الالم و الذل، نحن نخلق انسان مهمش و حاقد على المجتمع نحن بأيدينا صنعنا مجرمين في الاحداث وارضعنا العنف داخل المدارس و علمنا العنصرية داخل قاعات الجامعة .. ف عن اي مجتمع نسأل ؟ عن اي مشاكل اجتماعية نتحدث؟ لكل فعل ردة فعل و مجتمعنا الان ردود افعال التسلط و الفوقية و التبعية، سؤالي لماذا يسمح بإدخال مثل هذا الطفل الى قسم شرطة من الاساس؟
موقف (3)
تتردد شاعات عن احد اقسام الشرطة و الذي ينظر اليه البعض بإنه افضل الاقسام مقارنة بمثيلاتها انه توفي متهم متأثرا بجارحه على اثر كمية الضرب المبرح الذي تعرض له داخل هذا القسم .
نحن بحاجة الى تعريف مفهوم (الشرطة في خدمة الشعب) والى معرفة اساسيات حماية الشرطة للشعب والى الفصل بين دور الامن أو المباحث الذي يشوه نظرة المواطن الى مراكز الشرطة باستخدامه اساليب القمعية وسياساته البغيضة على المتهمين في داخله.
فالشرطة فعليا تتستر على اعمال عنف داخل اقفاصها مما يجعل استحالة امكانية زرع ثقة بين المواطن و الشرطة، ويجب ان نفهم انه لا يمكن ان نفصل الحماية عن الكرامة كرامة المواطن السوداني/ة.
موقف (4)
لا اريد الحديث عن اللا اتفاق المزعم بين سلفا و البشير .. سلفاكير البس البشير طاقيته و البشير رقص طربا على انغام وهم الاتفاق التاريخي ... اذا كان هذا الاتفاق تاريخ بدون ان يتم حسم منطقة ابيي و ترسيم الحدود ماذا نسمي اتفاقيات جمال عبدالناصر والزعيم الازهري .. شتان ما بين الثرى و الثريا.
ما يريح قليلا ان هناك استهجان من قبل الشارع السوداني الذي لربما اصبح لا تنطلي عليه مثل هذه الخدعات، فكثرتها مرضت خلق الله .
3 comments
بالفعل يا اسلام القصص الحياتية للشباب صغار السن و المعاناة التي يلاقونها امر مؤلم - يجدون كافة السبل المتاخة للضياع و العطالة و المخدرات ..اتمني ان يتغيز ذلك
شكرا لمرورك صديقي وائل .. ويمكننا تغيير ذلك بأن نعمل من اجل غداً افضل ..
I agree with you. Great post.
Post a Comment