التيارات الاسلامية
في كتابه الخفيف الممتع (من أيام العمر الماضي)، يذكر د. عبدالله النفيسي أنه من خلال العمل مع الجماعات الإسلامية في الانتخابات تكونت لديه الملاحظات التالية:
الملاحظة الأولى - جماعة الحلول الصفرية
أن هذه الجماعات - في الأعم- تؤمن بـ (الحلول الصفرية) للمشكلات; يعني إما أن يكون (الحل) متطابقاً 100٪ مع مطروحاتها وإلا فلا. ولهذا بالطبع انعكاسه على العلاقات السياسية لهذه الجماعات، إذ سنلاحظ أن هذا الفهم يكثر من عدد الأعداء ويقلل من عدد الأصدقاء وهذا عكس تماماً المقصود من العمل السياسي ومن ضمنه الحملات الانتخابية.
الملاحظة الثانية - حاجة الجماعات إلى الإرشاد السياسي
أن هذه الجماعات -أيضا في الأعم- تظن فعلا أن الانتخابات هي الحل الأمثل وأن الفوز فيها يعني يمهد الطريق لاستئناف حياة إسلامية كاملة وشاملة في الدولة. وهذا -بالطبع- تبسيط مخل للموضوع وتسطيح له. كنت دائماً ألح على ضرورة (الإرشاد السياسي) لهذه الجماعات حتى لا تصاب بخيبة الأمل في نهاية المطاف. فاستئناف حياة إسلامية كاملة وشاملة لا تتم أو تتحقق بـ (قرار سياسي) من فوق أو بـ (قرار تشريعي) من الوسط بل بـ (قرار شعبي) من تحت يفرض نفسه على القرار التشريعي والقرار السياسي، وهذا القرار الشعبي لم يتحقق ولم ينضج بعد حتى الآن حتى لو أن الإسلاميين سيطروا -من خلال أغلبيتهم- على البرلمانات.
ثمة أوضاع وملفات وهياكل سياسية تتعلق بنظام الحكم وأوضاع المجتمع وتركيب الاقتصاد تنتظر الفكفكة والتصفيفة قبل مجرد الحكم باستئناف حياة إسلامية كاملة وشاملة في الدولة. وهذه الأوضاع ورثناها من مراحل الهيمنة الخارجية على الأمة من نواكشوط إلى جاكرتا (والكويت نقطة في هذا البحر) ونحتاج إلى مراحل مديدة وتحولات كبيرة قبل أن ننعتق من هذا العدوان التاريخي الذي مورس على الأمة. فهل الجمهور لديه استعداد في الكويت وخارجها للخوض في هذا الغمار؟ ربما الانتخابات تعطينا فرصة للتعبير عن هذه الإشكالية لكنها حتماً ليس حلا لها.
هذه الرؤية للانتخابات ثغرة خطيرة في التفكير الاستراتيجي للجماعات يجب أن تعالج بشكل علمي وموضوعي.
الملاحظة الثالثة - سهولة الاستدراج إلى حروب الوكالة
أن هذه الجماعات -في الأعم- من الممكن استدراجها لحروب وكالة War By Proxy وحرفها عن (مشروعها) إذا جاز التعبير وزجها في صراع مع تيارات لا يستطيع (النظام) أن ينجح في مواجهتها وفق تكتيك (فخار بيكسر بعضه).
لقد استعمل عبدالناصر اليسار المصري بكل أطيافه لمحاربة التيارات الإسلامية في مصر، ولقد استعمل السادات التيارات الإسلامية بكل أطيافها لمحاربة اليسار المصري. ويبدوا أن (حروب الوكالة) هذه وجدت طريقها إلى كل الأقطار العربية بما فيها الكويت; حيث يعتبر الإسلاميون اليسار في عمومه ذراع للمشروع الشيوعي السوفيتي آنذاك، وما زال زعيم اليسار الكلاسيكي د. أحمد الخطيب يعتبر (الأحزاب الدينية) في الكويت والعالم العربي مشروعاً أمريكياً (انظر مقالة د. الخطيب في الوطن الكويتية الصفحة الأخيرة 20 ذو الححة 1433 هـ الموافق 5 نوفمبر 2012).
ما لم يترشد العمل السياسي بين العرب سنظل في دوامة (حروب الوكالة) وهذه وسوف يخسر الجميع في النهاية إلا النظام العربي الرسمي.
الملاحظة الرابعة - السقوط في حفرة القطرية
أن هذه الجماعات سقطت في حفرة (القطرية) ولذلك تؤكد أنها كويتية محضة انبثقت في الكويت ونمت فيها وتعمل فقط لأجلها وتنفي عن نفسها أية (اتصالات خارجية) فكرية أو حركية.
هذه النظرة المتخلفة المنهزمة تتجاهل حقائق عظيمة الأهمية ومن أهمها هذه الموجات العالمية الفكرية والتنظيمية المتلاطمة كيف لا تصيب الكويت وهي نقطة بل شظية جغرافية على الخريطة (مساحة الكويت 20.000 ك.م والسكان 1985 أقل مليونين) بينما مصر المتفاعلة ثقافياً وتعليمياً وسياسياً (مساحة مصر 1.002.000 ك.م والسكان 1985 تقريباً 50 مليون).
في الكويت معظم المدرسين في المدارس والجامعات وخطباء المساجد والأئمة ودار الإفتاء والأطباء وغير ذلك من الكوادر المصرية، فكيف تنكر هذه الجماعات التأثر الطبيعي بفكر وتوجه هذه الموجه البشرية القادمة إلينا من مصر؟ ولماذا نهاب من (الاتصال بالخارج) سواء أكان اتصالاً فكرياً أم حركياً؟ ولماذا لدى الأحزاب الاشتراكية (الاشتراكية الدولية) التي تجتمع في النمسا دورياً لتنسق عملها على مستوى عالمي وهذا أمر متوقع ومشروع ولا تكون للجماعات الإسلامية (إسلامية دولية) لتجتمع في مكان ما من العالم الإسلامي لتنسق دورها على مستوى عالمي؟ ما الضير من ذلك؟ وما هذا التشبث المتخلف (بالقطرية) والدولة القطرية الآيلة للاندثار؟
الملاحظة الخامسة - الجمهور من القاع الاجتماعي
من جهة التشكيل الطبقي Class Structure في هذه الجماعات لاحظت أن جمهورها من القاع الاجتماعي وإذا كانت شرائح المجتمع ممكن تقسيمها إلى أربع فئات: الفئة الحاكمة، والفئة الساعية للحكم، والفئة القلقة، والفئة غير القلقة; فإن جمهور هذه الجماعات يتكون من الفئة غير القلقة.
- الفئة العليا في المجتمع السياسي: هي الفئة التي تحكم (سواء أكانت عائلة أم طاقم عسكر أم دكتاتور فرد أو غيره من الأشكال).
- فئة الساعون إلى الحكم: فتتكون من الوزراء والمدراء والمستشارين وغيرهم من الأفراد القريبين من دائرة القرار والساعون دائماً إلى استرضاء صاحب القرار والاستفادة وتثبيت وترسيخ الوضع الراهن Status Quo.
- الفئة القلقة: في العادة تتكون من صانعي الرأي العام أصحاب التساؤلات الكبيرة من حزبيين وكتّاب ومفكرين ومن شاكلتهم.
- الفئة الأخيرة (غير القلقة): هي قاع المجتمع من مواطنين عاديين جداً تستهلكهم اليوميات من ذهاب وعودة من العمل (أيا كان) وشراء الضروريات من طعام وملابس وغيره ولا يشتمل يومهم على تساؤلات سياسية تتعلق بنظام الحكم أو الإدارة العامة ذلك لأنه استقرت في أذهانهم أن هذه التساؤلات ليست من حقهم، وبالتالي فهم تنفيذيون ينفذون أية تعليمات صادرة (من فوق).
والجماعات الإسلامية تغرف من هذا البحر وتتوجه بخطابها لهذه الفئة. لكن مع مرور الوقت ومع التضخم المتسارع لجسد الجماعات وأعدادها أصبحت هذه الفئة عبئاً ثقيلاً على الجماعات وعلى هيكلها ذلك أشبه بالسمنة الورمية التي ترهق الهيكل Skeleton وترهق القلب الذي يضخ الدم وترهق العقل مصنع المستقبل وترهق (الإدارة) داخل الجماعة; المشكلة باختصار هذا الكم المتسارع مع غياب المؤسسات الحركية لاستيعابه.
الملاحظات السادسة - ضرورة إعادة توجيه الخطاب إلى الفئة القلقة
تتعلق بخطاب هذه الجماعات عبر المساجد والمحاضرات والأوشرطة والكاسيتات والفيديو والمدارس والجامعات والتلفاز والإذاعات، إذ يلاحظ أن الخطاب موجه لهذه الفئة غير القلقة وهي فئة مع كامل الاحترام لها لا تستطيع أن تسهم في الارتقاء بالجماعة لأنها من حيث التكوين الفكري غير قادرة على ذلك. حل هذه المشكلة ربما يكون بتوجيه خطاب الجماعة إلى (أعلى) أي إلى الفئة القلقة وفئة الساعون إلى الحكم وفئة الحكم ذاتها والمثابرة على ذلك لتحقيق درجة من الاختراق في طلب النصرة الفكرية والسياسية من هذه الفئات المهمة والحساسة.
الملاحظة السابعة - سهولة اختراقها
تتعلق باختراق أجهزة المباحث وأمن الدولة لهذه الجماعات. فأوضاع هذه الجماعات تتيح للمباحث وأمن الدولة ليس فقط (الاختراق) بل (التحكم عن بعد) بحركتها. ولاحظت أن المتعاونين مع المباحث وأمن الدولة من قيادات هذه الجماعات عددهم غير قليل ويحصل تحت مبررات وفتاوى لا يتردد بعض قليلي الشرف من القيادات بإصدارها وتعميمها على المساكين الأتباع. يساعد على ذلك سذاجة وجهل الأتباع. كذلك قيام هذه الجماعات على منطق (السيطرة Control) وليس على (المشاورة والتوافق Dialogue & Consensus) وأن التربية والتعليم والتلقين الذي يتلقاه الأتباع داخل هذه الجماعات هي تربية حزبية يسيجها إطار كثيف من السريّة والتورية الحركية يسهل على المباحث وأمن الدولة التسلل إلى الداخل من شقوق السريّة التي تحيط بالجماعة في سياسة التجنيد شبيه بجبنة الجرويية gruyere الفرنسية المليئة بالفقاعات الداخلية. فمنظر قرص الجرويية من الخارج (كتلة صماء massive); لكن من الداخل مليء بالفراغات الكثيرة. في هذه الفراغات داخل هذه الجماعات ينام المباحث وأمن الدولة في العسل.
المصدر: مدونة فؤاد الفرحان
المصدر: مدونة فؤاد الفرحان
1 comment
عالم عجييييب
Post a Comment