لم يكن هذا اليوم اعتيادي، فبعد مشاهدة خسوف القمر العملاق في كبد السماء و كأنما نبوءة المجرات توحي بإن القادم هو قدر البشر، القمر الدموي الذي شاهدناه و كأنه يتألم حزناً على ما يحدث في الأرض، يطل القمر حسب الميعاد كل يوم لكنه شاء له من شاء أن يطل اليوم بلون الدم القاني مترقباً جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
لقد تابع المشاهدين/ات كلمات رؤساء الدول التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة و قد أثارت مواضيع نقاشية و تحليلات سياسية أدت إلى التكهنات بما هو آت في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا و ذهبت أبعد من ذلك إلى قراءات حول الاتفاقات الضمنية بين الأطراف المتصارعة و سلطت الضوء على ما يدور خلف الكواليس، و يأتي انعقاد الجمعية العامة بعد خمس أيام فقط من حادثة تدافع مشعر منى و التي أودت بحياة مئات الحجيج، و قد تصدرت قائمة الموتى الحجاج الإيرانيين و من بعدهم حجيج دول افريقية و آسيا، و اختلفت الروايات حول أسباب الحادثة لحين الانتهاء من تحقيق اللجنة في ذات الوقت مازالت أعداد القتلى في تزايد و أهالي الحجيج المفقودين يبحثون عن ذويهم و مئات الجرحى في المستشفيات.
اللافت للنظر الحديث حول تسيس الحادثة من قبل ايران و يظهر ذلك جلياً عندما افتتح بها روحاني مستهل كلمته في اتهام صريح و مباشر نحو السعودية بانتهاك حرمة الحج و إبداء رغبته المشاركة في التحقيق مما اعتبرته السعودية نوع من الخساسة و الدناءة السياسية التي تسعى فيها ايران التدخل في الشؤون الداخلية للسعودية، و على الرغم من حديث روحاني عن حسن النوايا و استعداده لجلب الديمقراطية إلى سوريا و اليمن مثلما جلبهما الى العراق و افغانستان على حد تعبيره !! يتساءل الجميع عن أي ديمقراطية يتحدث فالوضع في العراق و افغانستان من أسوء ما يكون و لعلها طريقته المعتادة للاصطياد في الماء العكر .
مجمل ما دار في الجمعية العامة حول أوضاع الشرق الأوسط و شمال افريقيا من نزاعات تدور حول تقسيم المصالح المشتركة، على الرغم أن ظاهر الكلام هو إيجاد حلول لمشكلة اللاجئين السوريين و كيفية انتقال سلطة نظام بشار الأسد الذي شهد القمر اليوم على دمويته، و ذلك ما يدعو إلى خيبة الأمل حيث التحدث بدبلوماسية الحوار المخرج و الذي يرتكز على اتفاق اللاعبين الاساسيين في المنطقة وهم امريكا – روسيا – إيران – تركيا و السعودية و حسب ما يرى المحللون أن الاتفاق يقتصر على روسيا و الدول الغربية أما الدول العربية ما هي إلا مجرد أداة للتحالفات تم التوصل اليها مسبقاً، وهو ما لا اتفق معه فعند الحديث حول تمويل تنظيم الدولة الإسلامي تتجه أصابع الاتهام ما بين قطر و السعودية بمساعد امريكية روسية.
تباينة قضايا الرؤساء حول أهمية مكافحة الإرهاب و التطرف و العمل على إتاحة فرص المشاركة ترسيخاً للديمقراطية في دولاً تعاني التشبث بالسلطة و عقدة الكراسي السياسية، فيما هيمن الاعتراف بضرورة احترام الدين الإسلامي و عدم النظر اليه متهم تنظيم الدولة الإسلامية وهو ما ينزع فتيل الإسلاموفوبيا، بالإضافة إلى قضية تغييرات المناخ التي تحتاج الوقوف بوجه سياسات ساهمت بإضرار البيئة و الإنسان، و قد تطرق الحديث عن الدولة الفلسطينية من قبل أمير قطر بالحديث حول عدم التزام المجتمع الدولي بوعوده اتجاه قطاع غزة بعد عملية اغراق الرئيس المصري السيسي الإنفاق بالماء و قطع شريان الفصائل الفلسطينية.
و على الرغم من أهمية انعقاد الجمعية العامة و التي تحتفل بمرور سبعين عاماً على تأسيسها تجد الأمم المتحدة نفسها في موقف لا تحسد عليه فهي تحتاج الى اعادة هيكلة اولوياتها في وقت عجزت فيه عن توفير الحماية لملايين القتلى في مختلف الدول و في ظل دعوات للسلام لا تتجاوز نواياه حبر الورق الذي يكتب به، فلذلك اعتقد ان مسؤولية اعتراف فشل الأمم المتحدة في أداء دورها يحتاج الى جرد حساب الخسائر البشرية و النزيف البشري عبر البحر و الأرض.
الجدير بالذكر تنعقد جلسات الجمعية العامة في الوقت الذي تتعرض فيه اليمن إلى غارات التحالف، و يشهد السودان تدهور الأوضاع الإنسانية حيث تمر الذكرى الثانية لشهداء سبتمبر دون محاسبة و تعاني منظمات المجتمع المدني من المضايقات و المؤسسات الإعلامية من الرقابة القبلية، بالإضافة إلى إجازة قوانين تحد من حرية التعبير عن الرأي و لم يتم ذكر الفساد لا من قريب و لا من بعيد فيامن تقفون على منصات الأمم المتحدة من تمثلون؟!
No comments
Post a Comment