الثورة السودانية .. اسقطت البشير و رفعت علم السودان
انتظر الشعب السوداني ثلاثين سنة من حكم الإسلامويين للإطاحة بحكم عمر
البشير أو بمعنى أصح (حكم الكيزان) الذي أذاق السودانيين/ات ويلات العذاب من
المرارة ، الظلم ، الجوع و القهر، و الأسوء هو احتكار السلطة لمجموعة معينة من
العابثين/ات بالسلطة ، حيث استشرت المحاباة و التكسب الحزبي كالنار في الهشيم،
استخدم فيها الكيزان ثلاث أساليب رئيسية لتحوير الحقائق ، التزييف و الكذب من خلال
الاستفزاز، التحقير و الإساءة.
و نحن الآن نعيش أيام ما بعد سقوط حكم الكيزان و رئيسهم عمر البشير
حيث اختفت فجأة رموز النظام و أعضاء/عضوات حزب المؤتمر الوطني، بعد أن تفجرت
الثورة السودانية التي كانت منذ 2010 مع بداية اندلاع الربيع العربي تحاول أن تجد
لها مكان بين مثيلاتها، فجاءت الثورة الجزائرية و الثورة السودانية امتداد للربيع
العربي الذي عصف بمنطقة الشرق الأوسط و افريقيا، خلف على أثرها تغييرات جذرية في
المنطقة جيوسياسية و اجتماعية من خلال استخدام التكنولوجيا تبعتها آثار اقتصادية.
تعتبر الثورة السودانية من أرقى ثورات الربيع العربي، حيث استمعنا
فيها إلى شعارات الهبت حماس الجميع ، فتنادى حراس اعتصام القيادة و هم يحمون
ثورتهم عند دخولك (ارفع ايدك فوق التفتيش بالذوق) و تعالت الهتافات (ثوار .. أحرار
... حنكمل المشوار) كما هتفت الفتيات (حتسقط و حنعرس ... حنعرس جياشة ، حتسقط و
حنعرس .. حنعرس شفاتة ) و خاطبوا عمر البشير ( تلاتين .. كضابة يا وداد .. من غير
جنا ... كضابة) و أخيراً المطلب الأساسي (حرية ، سلام و عدالة و الثورة خيار الشعب) .. رأيت اللافتات
رفعت في ساحة الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة كتب عليها الثوار (شكراً للإعلام الذي
خذلنا) .
و من المفارقات و التناقضات تعطل شاشة موبايلي اثناء فترة الحراك
السوداني الثوري، و اندهشت من ارتفاع اسعار الهواتف الذكية بشكل كبير، فكنت استمع الى إذاعة سوا و الاذاعات المحلية لمعرفة المستجدات و بين الذهاب الى ساحة الاعتصام
و التردد على البنوك للبحث عن كاش (مبالغ مالية) تساعدني في استكمال عش الزوجية كانت الرحلة شاقة و متعبة ، لا انكر أنني إزاء هذا الوضع اضطررت ان اقف موقف المتفرجة أو المشاهدة للإحداث المتسارعة ما
بين المجلس العسكري ، تجمع المهنيين السودانيين و أحزاب المعارضة (قوى الحرية و التغيير)،
بالإضافة إلى مواقف الدول الاخرى و تتوج برأي الشارع السوداني و الإعلام عبر شاشات التلفاز، كان مزيج يحمل الكثير من التساؤلات و الفرحة تارة و المفاجئ تارة أخرى بدون وجود أهم سبب في الحراك السوداني #السوشال_ميديا (مواقع التواصل الاجتماعي).
كنت في الشارع عند إذاعة البيان الأول للمجلس العسكري عندما استلمها
عوض، انتفض الشارع ينادي (تسقط تاني زي ما سقطت أول .. تسقط تاني ) و فعلاً سقطت
تاني و بدون أي تأخير .. فضلت أن انضم إلى ثوار مدينتي أمدرمان الذين جابوا شوارع
الثورة و الوادي هاتفين/ات الشعارات الثورية، على الرغم من أهمية ساحة اعتصام الثوار أمام القيادة العامة ،
إلا أنني بعد المضايقات و التحرشات التي تعرضت لها في ساحة الاعتصام و الخرطوم تحديداً
، أصبحت عابرة مطار في الخرطوم.
لقد تابعت التغطيات الإعلامية عبر مختلف الأجهزة الإعلامية من قنوات إخبارية إلى قنوات على اليوتيوب لشخصيات سودانية و إعلامية مختلفة عبرت عن رأيها
في الثورة السودانية و قارنت بين الثورة الجزائرية و الثورة السودانية ، في
البداية لابد للإشارة إلى الدور الهام الذي لعبته قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي في
القبض على عمر البشير و أعضاء حزب المؤتمر الوطني بالإضافة إلى عثورهم على المبالغ
المالية الضخمة داخل منزل النظام المخلوع عمر البشير ، وهو دور لا
علاقة بالمجلس العسكري في بداية الأحداث، و بعدما ضغط الشارع السوداني و رفض
عوض على اعتبار انه رمز من رموز نظام الكيزان كما رفض الدعم السريع المشاركة في
المجلس العسكري و تجمع المهنيين ايضاً ندد بهذه الالتفافة على الثوار فكان الموقف
متناغم ، و كان ختام اليوم جلسة استماع الأمم المتحدة لما يحدث في حراك
السودان أن المبعوث الرسمي للسودان في الأمم المتحدة قرر أن ما يحدث في السودان شأن داخلي
يمكن أن يتم حله على أيدي السودانيين/ات ، و تنازل عوض عن السلطة، و الحقيقة انها لم
تكن المحاولة الأولى للالتفاف على الثوار، حيث حاول جهاز أمن البشير قبيل ساعات من
هروبه و القبض عليه فض ساحة الاعتصام، و أصبح الكر و
الفر بين الثوار و الأجهزة الأمنية و ذلك على أثر إرسال هارون نائب المؤتمر الوطني حافلة تحتوي على إسلحة و قنابل ، انتصر الثوار بعد مساندة الجيش لهم و تم تعليق
مقتنيات العدو على اللافتات الإعلانية داخل ساحة اعتصام القيادة للقوات المسلحة.
و بعدها بدأ فصل جديد من محاولات إرساء مجلس عسكري يضمن أمن البلاد
بعيداً عن الانزلاق في حرب أهلية كما يحدث في ليبيا ، و استلم الدعم السريع مهمة
تأمين مداخل و مخارج العاصمة ، و استلم المجلس العسكري، أحزاب المعارضة و تجمع
المهنيين الإعلام من جهة أخرى للضغط على المطالب و ضمان عملية تسليم السلطة
العسكرية الحكم إلى مجلس مدني أو تأسيس حكومة تكنوقراط من جهة كرأي أو حكم مدني
كرأي آخر.
اللافت الأبرز في هذه الأحداث عدم وجود مساق قانوني واضح من خلال
الدستور لسبب ، أن الرئيس السوداني المخلوع علق العمل بالدستور و هذا مالم يفعله
الرئيس المخلوع بوتفليقة قبل عزله، فنجد الجزائريين لديهم نصوص دستورية أدت الى خلع النظام و المطالبة بمحاكمة
رموز النظام الحاكم من خلال الدستور حيث تم تحديداً استخدام المادة 102 من دستور
الجزائر و التي تنص على أنه في حالة عدم قدرة الرئيس على الحكم لأسباب صحية يصبح
كرسي الرئاسة شاغراً و بذلك يتم وفقاً للدستور إجراء انتخابات بعد مرور عام من خلو منصب رئيس الجمهورية على ما اعتقد إذا لم تخذلني ذاكرتي.
في السودان بشكل عام يفضل الشعب المجالس الأهلية أكثر من العمل
بالقانون على الرغم من المطالبة بقيام دولة العدالة و القانون و هو ما حدث بالتأكيد
في طريقة القبض على عمر البشير، و بالرجوع إلى دستور السودان الانتقالي للعام 2005 و الذي اجريت عليه
تعديلات لا تعد و لا تحصى حتى أصبح كالخرقة البالية بلا قيمة دستورية تذكر ، بل و
حتى لم يتم الاستفتاء حول تعديلاته مما افقده مكانته الشعبية و سلطة اختيار الشعب.
و من اللافت هو ضعف التمثيل النسائي في المفاوضات و الوجود في الحراك
السوداني ، بل و ايضاً تواجه المرأة السودانية صعوبات و تحديات في أخذ فرصتها مع
مشغوليات الحياة ، بالإضافة إلى ضرورة الأخذ في الاعتبار الهيمنة الذكورية التي
تتغلب على صوت المرأة على اعتبار انها عورة، فيما كشفت الثورة عن الفشل الذريع الذي
ارتكبه الحكم الكيزاني في حق الشعب من الشباب و الفتيات، فانتشار المخدرات و
الإدمان، العنوسة، الجوع و الفلس أصبح أمر اعتيادي، و مع وقوف كلاً من الإمارات و
السعودية مع الشعب السوداني بالإضافة إلى المبالغ الضخمة التي تم العثور عليها في
بيت عمر البشير توقفت الاسعار عن الارتفاع و الان يستعد السودانيين/ات لإستقبال
شهر رمضان ، مثلما رددوا (صايمين رمضان من غير كيزان) فقد صدقوا فيما قالوا.
فيما لازالت المفاوضات جارية بين المجلس العسكري الذي يرأسه الآن ابن
عوف و نائبه حمدتي مع قوى الحرية و التغيير الممثلة لأحزاب المعارضة فيما يمثل
الحركة الشمالية تجمع المهنيين السودانيين ، و اعتقد أن سبب الخلاف القائم بين المجلس العسكري و قوى الحرية و التغيير (أحزاب المعارضة) و تجمع المهنيين السودانيين هو عدم وجود نصوص دستورية تشير الى كيفية تمثيل السلطة في الحالة الراهنة و التي يجب على الشعب أن يقرر كيف يمكن أن تكون، لذلك يجب
محاكمة واضعي الدستور تحت بند خيانة الامانة إلى جانب محاكمة رموز النظام بالفساد
البين، و مازالت الحشود و الآلآف من الثوار و الثائرات يعتصمون في ساحة القيادة
العامة مرددين الهتافات الثورية هناك.
و الحقيقة أن في ظل إصرار مجموعة معينة من الذين هيمنوا على السلطة
اقتصادياً و جغرافياً بالإضافة إلى النفوذ الداخلي و الخارجي من خلال ألاعيب سياسية و سحر و
شعوذة أعتقد أن الحرب سوف تشكل ملعب بارزاً في السودان لإستعادة التوازن من جديد و
خصوصاً في ظل تمسك هذه المجموعات بطريقتها الاستفزازية حتى بعد سقوط نظام
الإسلامي الكيزاني.
و على قدر سعادتي بسقوط نظام الكيزان على قدر تعاستي أننا ما زلنا
نواجه نفس العقلية الإقصائية وهو ما كان واضحاً و جلياً في الأدوار و الواجهات
الثورية التي تربعت على أجهزة الأعلام و المشهد الثوري ككل، على الرغم من وجود
شخصيات ظلت و لمدى سنوات عديدة تحاول بكل ما أوتيت من قوة و فقدت الكثير و مازالت
تحاول ان تتنافس بشرف و مبدأ على خلاف الكثيرين ممن استحوذوا على النفوذ و السلطة
و الجاه، و بالرجوع إلى ملف دارفور و الإعتراف بوجود انتهاكات حدثت إلا انهم ظلوا
لسنوات عديدة متربعين على عرش السلطة و استطاعوا تدويل قضيتهم و بالتالي الحصول
على مكاسب دولية، اجتماعية و مادية ، و لا يختلف اثنين أننا ضد العنصرية و لكن في
ظل عدم وجود فهم صحيح للعنصرية و الخلط بينها و بين المكانة الاعتبارية لأسباب وظيفية
أو مهاراتية يمكن استخدام العنصرية كورقة ضغط لتمرير المصالح الشخصية و الجماعية
و الجميع مطأطئ الرأس يحدوهم الإحساس بالذنب وهو ما يمنع الجميع من المكاشفة و
الإعتراف بالأخطاء و تصحيحها و الأهم من ذلك محاسبة الفاسدين/ات وهو ما أجده حتى
هذه اللحظة مجرد أقاويل و سجالات لم تتحول إلى واقع ملموس حتى بعد القبض على رموز
النظام و الحديث عن سرعة محاكتهم داخل البلاد.
و ما قبل الأخير يطلق مصطلح الدوبلكس و الذي كثيراً ما اخلط بينه و
بين مصطلح الدويتكس على المستوى الثاني للمجتمع حيث يلتزم الجميع بقيم جماعية
معنوية تضمن تماسك المجتمع و ذلك عندما يتفق الناس على تقديس قيم و مبادئ يجعلهم
مترابطين و يخلق أسرة و مجتمع تعلي هذه المبادئ وهو للأسف ما لا يتوفر الآن بسبب
الآثار الاقتصادية ، الاجتماعية و النفسية التي خلفتها الصراعات الحزبية الطائفية
القبلية و الجغرافية.
و أخيراً هل يمكن أن ينتصر السلام على الحرب في السودان و التي عصفت
بسوريا و ليبيا بدون المحاسبة و التوزيع العادل للسلطة و الموارد و قيام دولة
العدالة ، القانون و الحريات بدون وجود مصاغ دستوري للسودان؟!
2 comments
فعلا لقد نجح الثورة السودانية في اسقاط البشير والمرحلة الحالية هي مرحلة البناء وحانبنيهو وده فعلا وقت الاستثمار في السودان ونخلي بلدنا احسن بلد ونعيدها سيرتها الاولى
الثورة نجحت، اما المشاكل الداخلية التانية بنحلها بالتدريج
Post a Comment