سياسات البنك الدولي و أثرها على الدول النامية
سياسات البنك الدولي و أثرها على الدول النامية
تعد تجربة روشتة البنك الدولي من أخطر التجارب على البلدان حيث تقوم
الثورات بسبب سياسة و نصائح البنك الدولي لدول العالم الثالث و اقتصاد الدول
النامية ، و ما سوف اذكره في هذه التدوينة هي مجرد تذكير لما قولناه سابقاً عن
سياسات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي اتجاه اقتصاد الدول النامية التي تقوم
على المحاصصة و لا يوجد لديها بورصات استثمار للمضاربات التجارية أو السلعية أو
النقدية.
محطة توليد الكهرباء قري |
و لعل في السودان أن الاطاحة بحكومة المؤتمر الوطني كان له أثر في
تجفيف مصادر الفساد إلا أن حكومة الفترة الانتقالية تتحمل تبعات روشتة الموافقة
على قرارات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و التي تمتد إلى أكثر من عشرين سنة،
كما تصبح محط اتهام أمام المواطنين/ات لعدم قدرتها على الايفاء بأبسط ضروريات و
التزامات المواطنين/ات، و هي تقف صامتة و لا تود توضيح ما يجري الى المواطنين/ات،
مع العلم أن الانفتاح على العالم يتطلب الشجاعة في تحديد أولويات المواطنين/ات و
انتعاش الاقتصاد عوضاً عن الانصياع و التبعية لقرارات البنك الدولي و التي لا تؤخذ
في حسبانها الفراقات الاقتصادية للدول النامية ، فهي تركز على مسايرة السياسة مع
الاقتصاد مما يعزز عملية تجنيب الأموال و ارتفاع الدولار.
و قد قولنا سابقاً أن على حكومة الفترة الانتقالية التفكير خارج
الصندوق لإيجاد حلول لرؤية مستقبلية مع التقدير أن أزمة جائحة كورونا زادت الطين
بلة، و لكن ما نعيشه الآن من غلاء في الأسعار و ركود في السوق و انعدام للسيولة هي
حالة تقشف من المستوى الأول، و هو ما تم الحديث عنه سابقاً ، ما يحدث الآن هو
امتداد لما حدث في الدول الأخرى التي اعتمدت روشنة البنك الدولي و اعتمدت بعد ذلك
على منح و قروض من الدول الأوروبية و البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و عجزت عن
سدادها.
مع العلم أننا نتوقع أن الأسعار سوف تواصل الصعود مالم تسرع وتيرة
التنمية و الإصلاحات الاقتصادية و رفع الأجور، ما نعيشه اليوم هو أمر واقع فالكل
يعاني من الندرة و أن كان الخير الذي ننعم ببعضه هو إنتاج الفكر و الثوار/ الثائرات
في تحقيق العدالة الاجتماعية، بالإضافة الى بعض المجهودات في توفير اللازم من
البعض من خلال العلاقات الواسعة الممتدة الى خارج السودان سواء من المغتربين/ات أو
ممن لهم علاقات تجارية مع السودان.
البعض يقف في مرحلة المتفرج و هنا يأتي دور بعض الدول في التأثير على
القرارات السياسية في السودان، و في ظل أزمة سد النهضة بين كلاُ من السودان،مصر و
اثيوبيا، فلا يخقى على الجميع أن سد النهضة يتم تمويله من اسرائيل وبعض الدول
الأوروبية، و بما أن السودان قد بدأ التطبيع مع اسرائيل ، فاليهود لديهم مطامع
أيضاً في السودان، و لكن ما هي المطامع إذا كان السوق السوداني مقارنة بباقي
الأسواق في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا يعتبر من أنشئ الأسواق و لا يوجد به
مميزات جاذبة بالإضافة إلى قلة القوة الشرائية ، فما الذي يميز السودان عن باقي
الدول؟!
الحقيقة ليست فقط اسرائيل و إنما أيضاً الولايات المتحدة، روسيا و
الصين، فلكل منهم أهدافه الاقتصادية و السياسية، و بما أن عرض الجنيه يمثل قيمة
الواردات و طلب الجنيه يمثل قيمة الصادرات كان من المتوقع أن يصبح هناك عجز في
ميزانية الدول التي قررت الامتثال لسياسات البنك الدولي و صندوق النقد الدولي و
التي يتم تغطيتها من خلال القروض و التسهيلات الائتمانية و اذا لم يتم استخدامها
على الوجه الصحيح سوف تواجه الدول صعوبة في سداد هذه القروض، مثلما واجهة كلاً من
: العراق ، مصر، المغرب ، الأردن و اليمن عام 2016 هاذا ينضم للقائمة دولة
السودان.
حادثة خروج قطار مدني - الخرطوم |
و لمواجهة الضائقة المعيشية في هذه الدول اعتمدت سياسة تمويل المشاريع الاقتصادية من جانب و القبضة السياسية من جانب آخر مثلما حدث في دول الخليج على سبيل المثال، لذلك إذا لم يتم تمويل المشاريع الاقتصادية كالزراعة و الثروة الحيوانية بالإضافة الى دور التكنولوجيا المهم في تنمية القدرات و انتعاش التجارة الإلكترونية فسوف تقضي سياسة الاحتكار على الأخضر و اليابس، بالإضافة إلى ضرورة دعم ريادة الأعمال و الأسواق الناشئة .
و قد بلغت ارتباطات البنك الدولي مع الدول بنهاية عام 2016 في الدول التي
انتهجت سياستها في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا إلى أكثر من 5.2 مليارات
دولار ما يشكل 11% من إجمالي ارتباطه عالمياً ، كان له الأثر في صناعة قرارات
سياسية و اقتصادية في هذه البلدان أدت الى تغييرات جيوسياسية ، فيما دخلت البلدان
في ثورات و حروب على سبيل المثال كلاً من سوريا، ايران و تركيا.
و إزاء سياسة التقشف الحكومية ، ارتفاع الأسعار و ارتفاع الدولار
اندلعت بالأمس مظاهرات في العاصمة الخرطوم للتنديد بالضائقة المعيشية و ندرة البنزين
و الجاز مما ساعد في ارتفاع اسعار المواصلات، كما أدى ارتفاع اسعار الأدوية و
الاستعاضة عنها بمنتجات ذات جودة أقل من الفاعلية و الكفاءة و بأسعار أعلى من
تفاقم الوضع، و إزاء استمرار العملية السياسية في السودان المتمثلة في شقي المجلس
السيادي العسكري و المدني من عملية السلام و عمل اللجان المختلفة لتجفيف مصادر
الفساد و تحقيق العدالة و تخفيف معاناة الشعب سواء على صعيد ملف السلام، إزالة
التمكين و أسر الشهداء و المفقودين، يشعر المواطنيين/ات بالضغط و عدم توفر السيولة
اللازمة و بطئ عملية تحقيق الأهداف و الانتاج ، ففي حالة ازدياد اسعار البنزين و
الجاز و الغاز تزيد متطلبات العمل الإنتاجي مما يشكل تحدي يزيد من الأزمات التي
تمر على البلاد، بالإضافة الى الأوضاع في منطقة دارفور و الحدود مع دولة اثيوبيا و
ازدياد أعداد اللاجئين/ات من حروب الدول المجاورة الى السودان و عدم استكمال
الهياكل التشريعية للعملية السياسية في السودان، بالإضافة أيضاً إلى أهم هدف من
أهداف الثورة وهو الإطاحة برموز النظام السابق و الهيمنة الكيزانية.
كل ذلك قد يؤدي إلى ثورة ثانية في طريقها الى السودان و لكن كيف سوف
تكون ملا محها هو ما لا نعلمه إلى الآن، و في كل الأحوال شعور السياسيين و رجال
الأعمال بالرغبة الجادة للثوار/الثائرات في دخول السوق و العمل ضمن منظومة عمل لها
سياسات و اليات وفق نظام تجاري عالمي يثير مخاوف الكثير مما يؤدي الى مزيد من
القبضة الأمنية و حالة من التواطئ و التراخي في تنفيذ برامج تنموية حقيقية.
شخصياً أرى أن العاصمة السودانية يمكن اذا
ما كانت هناك ارادة حقيقية ان تتحول الى مدينة تجارية صناعية بامتياز و لا يوجد
مبرر لكل هذا التأخير في تأسيس بنية تحتية و تأهيل الطرق و توفير الخدمات الصحية و
التجارية اللازمة للمواطنيين/ات ، بل هناك من يتعمد حتى الإضرار و تخريب مقتنيات
الشعب ، حيث تنتشر صور أخبار متفرقة على موقع التواصل الاجتماعي
"فيسبوك" لأحداث مختلفة منها، حادثة خروج قطار مدني الخرطوم من القضبان،
و حادثة انهيار EPS في محطه قري ٤ لتوليد
الكهرباء مع استمرار انقطاع الكهرباء لأكثر من خمس ساعات يومية يدلل على وجود
طابور خامس داخل الدولة أو ما تسمى بالدولة العميقة.
عند مروري في الشارع أرى البؤس على وجوه
السودانيين/ات مع ازدياد معاناة الناس و لا يوجد باليد حيلة سوى ما اكتبه الآن،
لربما أساعد بما استطيع به، و لكن ماذا تفعل 100 جنيه اذا كان تكلفة المواصلات من
امدرمان الى الخرطوم وصلت الى 150 جنيه ذهاب فقط!!
و لعل أكبر تحدي هو وجود خدمة أنترنت بأسعار
معقولة للصحفيين/ات حتى يؤدوا عملهم/ن و في ظل عدم وجود مصادر دخل ثابتة أو حتى
مراجعة لرواتب الصحفيين/ات التي لا تتناسب مع موجة ارتفاع الأسعار فهم يعانون بشدة
و مع وجود محاصصات ميزانية تنمية القدرات التي يشوبها الفساد و الائنتماءات
الحزبية يبقى الضمير الانساني للجان الثورة في فضح الفساد هو الصمام الوحيد، على
الرغم من تفشي عقلية الشلليات في اوساطهم/ن.
No comments
Post a Comment